88552_ALR_14-10-2019_p32-1

خسائر النظام الإيراني المتواصلة.. جديدها دول ثلاث

لم تخسر إيران فقط قاسم سليماني، ولم يخسر النظام شعبيته في الشارع الإيراني الذي لم يتوقف عن الخروج عليه منذ أشهر، كما لم يخسر احترامه وهيبته إقليمياً ودولياً بعدما أسقط الطائرة المدنية الأوكرانية وقتل جميع ركابها الـ170 عن طريق الخطأ! وإنما خسر ثلاث دول أوروبية كانت صديقة له، وتقف معه وتدعمه منذ 2015، رغم كل جرائمه وفضائحه.

لقد تساهلت تلك الدول مع هذا النظام الإيراني لسببين، الأول: أن لها مصالح اقتصادية لا تريد خسارتها على المدى الطويل، والثاني: اعتقادها بإمكانية تغيير السلوك الإيراني مع الوقت، إلا أنها اكتشفت اليوم أن هذا السلوك أصيل لا يتغير، من هنا جاءت الاستدارة الأوروبية الأخيرة عن إيران، ومن ذلك أن ألمانيا وبريطانيا وفرنسا التي رفضت العقوبات الأمريكية وكانت ضد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، يبدو أنها تعيد حساباتها بشكل جدي.

كل تلك الأوضاع الصعبة دفعت مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي لإلقاء خطبة صلاة الجمعة في طهران لأول مرة منذ أكثر من ثماني سنوات، وذلك لشعوره بحجم الخطر الذي يواجهه هو شخصياً وأيضاً نظامه، لذا كان ظهوره لتهدئة الجماهير وكسب تعاطفهم وتأييدهم من جديد، لكن يبدو أنه لم يجد ما يخاطب به الشعب غير الهجوم على أمريكا وإسرائيل، وهو الخطاب الذي لم يستجب له طلاب الجامعات، بدليل رفضهم الدَّوْس على علمي الدولتين، معتبرين «معركتهم ليست مع أمريكا وإسرائيل» وإنما مع النظام.

واضح أن مهمة النظام الإيراني ستكون صعبة جداً خلال المرحلة المقبلة، فاغتيال قاسم سليماني كان فرصة للإعلان عن تحوّل كامل واستراتيجي في الموقف الأوروبي، وخصوصاً بعد أن قرر الحرس الثوري استهداف القواعد الأمريكية في العراق، التي هي فعلياً قواعد لقوات التحالف تضم جنوداً أوروبيين، وهذا الأمر أنهى مساحة المناورة التي كانت تجمع طهران بالعواصم الأوروبية الثلاث.

فألمانيا التي تعتبر أكبر مساهم في البرنامج النووي الإيراني قبل وبعد الثورة الخمينية أنهت علاقتها مع إيران بعد هذه العملية حيث كانت أول دولة في الاتحاد الأوروبي تؤيد قتل قاسم سليماني، بل اعتبرت برلين سليماني مصدراً لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وقدمت دعماً كاملاً وغير مشروط للهجمات الأمريكية ضد ميليشيات الحشد الشعبي في معبر القائم.

على طريق واشنطن

وتشكل الاستدارة الألمانية بعيداً عن إيران أكبر تحوّل في أوروبا ضد طهران، فألمانيا كانت أكثر دول العالم تحمساً لاتفاق (5 +1)، ودائماً ما كانت العلاقات الألمانية ـ الإيرانية متقدمة على كل العلاقات الإيرانية مع الدول الأوروبية الأخرى منذ الحرب العالمية الأولى حين احتلت بريطانيا وروسيا إيران بينما وقفت ألمانيا بجانب طهران، كما رأت ألمانيا في الاتفاق النووي 2015 فرصة لإحياء العلاقات المتدهورة مع إيران، بل راهنت على إحداث تحوّل سياسي واجتماعي من خلال شعار «التحوّل من خلال التقارب والتجارة»، وكانت وجهة النظر الألمانية تقوم على أنه من خلال التجارة والتطور الاقتصادي يمكن التأثير على الأوضاع الاجتماعية والسياسية في إيران.

وقد اكتشفت ألمانيا بعد نحو أربع سنوات فشل هذه الاستراتيجية، وأن السلوك الإيراني المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط أكبر من المحاولات الألمانية لتعزيز ما يسمى «بالمعتدلين» في النظام الإيراني.

أما فرنسا فقد اتهمت، ولأول مرة، إيران بالتورط في قضيتين خطيرتين هما استهداف «أرامكو»، والإعداد لعمليات إرهابية عبر سليماني، كما وقف وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بجانب الولايات المتحدة في قتل سليماني، واتهم إيران وميليشياتها وسليماني بأنهم وراء عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، كما اتهم إيران بتقويض الحرب على الإرهاب في المنطقة.

وشهد الموقف البريطاني تحوّلاً كاملاً واصطفافاً تاماً بجانب الموقف الأمريكي، فبعد فترة طويلة، خلال حكم تريزا ماي، من الاصطفاف قريباً من الموقف الفرنسي والألماني بعيداً عن الولايات المتحدة، من خلال المشاركة في كل الاجتماعات حول تفعيل آلية «أنستكس»، ورفض فرض واشنطن المزيد من العقوبات على طهران في 4 نوفمبر 2018، إلا أنه مع تولي بوريس جونسون رئاسة الحكومة حدث تحوّل كامل ضد إيران، حيث قامت لندن بعدد من الخطوات ضد طهران، أبرزها دعم الحملة الأمريكية على ميليشيات إيران في العراق بما فيها الهجوم على ميليشيات الحشد الشعبي في القائم، وتحميل إيران وسليماني مسؤولية الهجمات على القوات الأمريكية وقوات التحالف في العراق.

كما اتفقت لندن وواشنطن على أن سليماني كان يخطط لعمليات واسعة تستهدف الأمريكيين المدنيين والعسكريين في المنطقة، وأنه المسؤول عن استهداف معملي أرامكو في سبتمبر الماضي.

أُفُق عزلة دوليّة

وهذه الدول الأوروبية أصبحت الآن على قناعة بأن الاتفاق النووي أصبح شيئاً من الماضي، ولهذا تعمل لندن وبرلين وباريس مع واشنطن على إعادة العقوبات الدولية على إيران في الفترة المقبلة، وهي العقوبات التي رفعها مجلس الأمن بعد توقيع الاتفاق النووي، وخصوصاً بعدما أصبحت الدول الثلاث مقتنعة بأن إيران تخطط للخروج من الاتفاق النووي من خلال خطوات تخلصها من قيود اتفاق (5+1) خاصة عندما أعلنت تشغيل مفاعل فوردو، واستخدام أجهزة طرد مركزي من طراز IR6/IR9، ثم إعلانها عدم التقيد بأي سقف في نسب تخصيب اليورانيوم، وهو الأمر الذي أكد للأوروبيين أن إيران لها طموحات نووية، وكانت تخدع العالم منذ يوليو 2015.

الخلاصة أن إيران خسرت ثلاث دول أوروبية مهمة وقفت معها منذ يوليو 2015، وحتى قبل مقتل سليماني، وأصبحت هذه الدول تصطف مع الولايات المتحدة ضد الأجندة الإيرانية في المنطقة وهذا سيقود إلى مجموعة من المواقف المستقبلية المتوقعة منها:

1- إعلان الدول الأوروبية الثلاث الخروج من الاتفاق النووي الإيراني.

2- الذهاب إلى مجلس الأمن ومحاولة فرض عقوبات دولية على طهران.

3- المزيد من العزلة الدولية لإيران مما يقلل من «مساحة المناورة» التي اعتمدت عليها لسنوات، وساعدتها على الهروب والتنصل من مسؤوليتها عن الكثير من الجرائم والعمليات الإرهابية!

فكيف سيتعامل النظام الإيراني مع وضعه الحالي والمعطيات الداخلية والخارجية الجديدة..؟ بمزيد من الهروب إلى الأمام أم اختيار أن تكون الدولة مسؤولة ضمن محيطها الإقليمي؟

88552_ALR_14-10-2019_p32-1

الاتفاق في الرياض والعويل في طهران

رغم إصرار البعض على استحضار تاريخ الاتفاقات التي لم تنجح بين الأطراف في اليمن إلا أن التفاؤل يحف الاتفاق الذي تم توقيعه في الرياض يوم أمس بين الحكومة اليمنية الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي.

فالاتفاق يضع ميليشيات الحوثي أمام حقائق جديدة، فهي لم تكد تستفيق مما تعانيه شقيقاتها الإيرانية في العراق ولبنان حتى جاءتها هذه الصفعة من أبناء اليمن، الذين نجحوا في الاتفاق واستطاعوا التخلص من الخلافات التي كان يستفيد منها الحوثي ويلعب عليها.. ولم يعد أمام الحوثي سوى الجلوس على طاولة الحوار أو إعلان الهزيمة، والواقع يقول إن عقلية الميليشيات لا تعترف بالحقائق ولا ترى المتغيرات، وبالتالي فإن احتمال الجلوس إلى طاولة الحوار يعتبر ضعيفاً، وما يؤكد ذلك تحركات الميليشيات في الأيام والأسابيع الأخيرة، التي تكشف أنها كانت تحاول أن تحتل وتستولي على المزيد من المناطق والمساحات لاستخدامها في المفاوضات – إذا اضطرت إليها – وهذا الخيار لا يبدو صحيحاً بعد الاتفاق التاريخي في الرياض أمس بين الأطراف اليمنية التي ستصبح أكثر قوة وتنظيماً في مواجهة الحوثي، وهذا ما كان ينقص اليمن خلال سنوات الحرب الأخيرة.

التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية سجل نقطة انتصار مهمة بتوقيع الاتفاق.. والمطلوب من الأشقاء في اليمن هو البناء على هذا الاتفاق، فالتحالف العربي أدى دوره خلال السنوات الماضية وأصبحت اليوم المسؤولية على عاتقهم.. يعرف اليمنيون سواء في الحكومة الشرعية أو الانتقالي الجنوبي أن دور التحالف كان كبيراً جداً وتاريخياً في الحفاظ على اليمن من أطماع إيران، وما بذلته السعودية والإمارات من أرواح وأموال في حربهما مع اليمنيين ضد صبيان إيران باليمن لن ينساه أحد، فالمعارك كانت على أشدها ورغم سلسلة الخيانات التي لم تتوقف ضد قوات التحالف، إلا أن قوة التحالف وإصراره على الوقوف إلى جانب الشعب اليمني والشرعية جعله لا يتراجع خطوة إلى الخلف، بل يواصل تقدمه ويعيد ميليشيات الحوثي إلى حيث أتت.

بالأمس رأينا الاحتفال بالاتفاق في الرياض، وكان العويل في طهران، وسيزداد صراخ الملالي في الأيام المقبلة، فهم لم يكادوا يستوعبون ما يحدث في بيروت وبغداد والنجف وكربلاء حتى جاءهم الخبر اليقين من الرياض بإعلان اتفاق يمني سيجعل مهمة الحوثي أصعب بكثير مما كانت عليه في الماضي.

الكرة الآن في ملعب الحكومة اليمنية الشرعية، وفرصتها كبيرة في إثبات وجودها وممارسة دورها القيادي مع باقي مكونات الشعب ببدء العمل ووضع الخلافات جانباً من أجل مواجهة ميليشيات الحوثي الإيرانية وتحقيق النصر الذي تأخر كثيراً.. وفي الوقت نفسه لا بد من العمل على إنجاز منظومة إصلاحات لكثير من الخلل في المشهد السياسي اليمني.

88552_ALR_14-10-2019_p32-1

أين أصدقاء إيران؟!

طهران اليوم بحاجة إلى أصدقائها أكثر من أي يوم مضى، فالوضع الذي تعيش فيه إيران وتمر به المنطقة بحاجة إلى تحرك أولئك الأصدقاء، وأقرب أصدقاء إيران في الخليج هم قطر وعُمان، ويفترض أن لها أصدقاء كثراً في العراق.. وفعلياً، فإن النظام الإيراني يعاني بشكل كبير هذه الأيام نتيجة للعقوبات الأمريكية، لدرجة أنه أصبح يتخذ قرارات عكسية تخالف مصالحه وتسير في اتجاه المزيد من التأزيم وليس الحل! لذا فإن طهران بحاجة إلى أصدقاء يقدمون لها المشورة والنصيحة الصادقة التي تساعدها وتنقذها مما ورطت نفسها فيه، فإيران سائرة في اتجاه مواجهة العالم بأسره وليس ترامب فقط كما تعتقد.

بريطانيا اعتبرت، يوم أمس، الخطوة الإيرانية باحتجاز سفينة بريطانية في الخليج العربي «قرصنة دولة»، والتي أتت رداً على احتجاز سفينتها في جبل طارق، ومن جانب آخر تؤكد الخطوة الإيرانية غير المدروسة الصراع داخل النظام، واحتدامه بين جناح متشدد يسعى لتثبيت صوابية مواقفه الرافضة للاتفاق النووي، وجناح «معتدل» يريد الاعتماد على الدبلوماسية في الحوار والتفاهم مع المجتمع الدولي لحل مشكلته.

الواقع اليوم هو أن استفزاز إيران وصل إلى ذروته مع توقيف الناقلة البريطانية، الأمر الذي قد يدفع لندن إلى إعادة النظر في تعاملاتها مع إيران والذهاب باتجاه فرض عقوبات عليها، والانتقال إلى الجانب الأمريكي بعد أن كانت تقف مع أوروبا لإيجاد حلول ومخارج لهذه الأزمة وتخفيف الضغط على إيران، فبريطانيا اليوم لم تعد قادرة على التستر على السلوك الإيراني العدائي.

أما ترامب، فقد قال بالأمس «إن التوصل إلى حل مع إيران أصبح أمراً صعباً».

مشكلة النظام الإيراني المتشدد أنه يتجه نحو حافة الهاوية، ويريد أن يجر المنطقة وشعوبها إلى حروب جديدة وأزمات هي في غنى عنها، لذا فإن على أصدقاء إيران أن يقفوا إلى جانب الشعب الإيراني وشعوب المنطقة وأن يدعموا «المعتدلين» في النظام الإيراني، فالتلويح بالحرب وتهديد الملاحة البحرية والاستمرار في نشر الفوضى في دول المنطقة لم يعد مقبولاً ولن يستمر، فصحيح أنه سلوك قديم للنظام الإيراني مع دول المنطقة، إلا أنه أصبح سلوكاً ضد مصالح دول العالم كلها، فهل سيكون أصدقاء النظام الإيراني على مستوى الصداقة، وينقذونه من الورطة الكبيرة التي يوقع نفسه فيها وقد لا يكون أمامه غير السقوط؟!