88552_ALR_14-10-2019_p32-1

ما رأي الشعب الفلسطيني؟

بعد انتشار الحديث عن قرار السلطة الفلسطينية الارتماء في أحضان تركيا، نتساءل هل الشعب الفلسطيني العربي راضٍ بأن تكون فلسطين تحت إدارة التركي والإيراني، بعد أن كانت عربية؟

والتساؤل الآخر الذي يطرحه كل العرب من الخليج إلى المحيط، ماذا قدمت تركيا للقضية الفلسطينية؟ وماذا قدمت ‏للفلسطينيين؟ وقبل ذلك ماذا قدمت إيران للشعب الفلسطيني وقضيته؟ وماذا فعل جيشها المسمى بـ«القدس» الذي تحرك في كل العواصم العربية إلا القدس؟

ويحق لنا أن نسأل: ما الثمن الذي ستدفعه فلسطين نتيجة «رميها» في أحضان من باع فلسطين قبل 100 عام؟

‏باستغراب وباستهجان يتابع العرب والمسلمون موقف القيادة الفلسطينية الغريب في تحولها نحو تركيا، الأمر الذي جعل الجميع يتساءلون؟ هل هذا انتقام من الإمارات والبحرين نتيجة معاهدتَي السلام اللتين تم التوقيع عليهما مع إسرائيل؟ أم هو انتقام من العرب؟ أم انتقام من الشعب الفلسطيني؟

بنظرة سريعة إلى الوضع الجديد، تبدو ردة فعل القيادة الفلسطينية انفعالية، وهي بلا شك خاسرة في هذا التوجه، خصوصاً مع علم الجميع، الفلسطينيين قبل العرب، أن تركيا لم تقدم شيئاً للفلسطينيين والقضية الفلسطينية طوال العقود السبعة الماضية، غير أنها كانت أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل قبل 70 عاماً، وتقيم معها العلاقات في مختلف المجالات، لتصبح أكبر شريك تجاري لإسرائيل في المنطقة، وفي مقابل كل ذلك هي أكثر دولة تطلق الشعارات الشعبوية لمخاطبة الجماهير الفلسطينية والعربية والمسلمة دون أن تقدم شيئاً حقيقياً، حتى إنها من أقل الدول احتواء للفلسطينيين ودعماً لهم، ففي كل تركيا لا يتجاوز عدد الفلسطينيين 20 ألفاً.. إنها بلا شك أكثر دولة تتاجر بالقضية، وأقل دولة تساعدها!

هذه ملاحظات بسيطة، ولم ندخل في العمق بعد، فهل ما تقوم به السلطة والقيادة الفلسطينية سيكون في مصلحة الشعب الفلسطيني؟ وهل أخذت السلطة رأي شعبها في هذا التوجه الخطير؟ وهل تعد هذه الخطوة سلوك «رجال دولة» أم أنها سلوك «ميليشيات» تضع مصالحها قبل كل شيء وأي شيء!

يبدو أن الشعب الفلسطيني بدأ دخول منحنى جديد من تاريخه وحياته، وقد يضطر لأن يطالب بحقوقه ومصالحه بطرق مختلفة لم يستخدمها سابقاً ولم تعرفها القيادات الفلسطينية من قبل.. ولأنه صاحب حق فستكون له كلمته، وسيكون له رأيه فيما يحدث، وإن تجاهلته قياداته

88552_ALR_14-10-2019_p32-1

جيران مصر

يدخلها الناس آمنين ويخرجون منها بسلام مطمئنين.. هذه هي مصر منذ قديم الزمان، مصر المُحبة التي لا تعتدي على جيرانها ولا تشن الحروب ولا تفتعل الأزمات، ورغم ذلك تجد نفسها اليوم محاصرة ومهددة من الجهات الأربع من الشرق والغرب والشمال والجنوب بجيران يعادونها ويجرونها إلى حروب لا ترغب فيها.

ففي الشرق لم ينتهِ خطر إسرائيل على مصر حتى بدأت المجموعات الإرهابية عملياتها الدموية ضد الشعب المصري في سيناء وضد الجنود الذين يحمون حدود مصر الشرقية، ودفعت مصر في سبيل الدفاع عن أرضها أرواح العشرات، وربما المئات من أبنائها وما زالت المواجهات مستمرة، ومن الشمال لم يتوقف الجار التركي اللدود غير البعيد جغرافياً عن استهداف مصر على مدى السنوات الأخيرة الماضية، من خلال دعم جماعة الإخوان المسلمين ورعايتهم واحتضانهم في تركيا، وكذلك من خلال تحريض العشرات من المؤسسات والمنصات الإعلامية ضد مصر من خلال الأخبار المفبركة والتقارير السلبية والتحريضية، والعمل على إثارة المشاكل في الداخل وزعزعة الاستقرار فيها لصالح تنظيم الإخوان.

لم يقتصر الاعتداء التركي على الشمال، بل انتقل ليكون الخطر القادم من الغرب، ومن ليبيا تحديداً، بعد أن دخلت وسيطرت القوات المسلحة التركية على مناطق من ليبيا بالتواطؤ مع حكومة الوفاق ومن معهم من ميليشيات الإخوان والمجموعات الإرهابية، وكذلك المرتزقة الذين نقلهم أردوغان من سوريا إلى ليبيا، واليوم طبول الحرب تقرع في ليبيا من أجل استيلاء تركيا على النفط والغاز الليبي من ناحية، ومن ناحية أخرى تهديد مصر وإشعال حدودها الغربية بعد أن دعم نظام أردوغان الإرهاب في الحدود الشرقية، والهدف هو تفخيخ الحدود الغربية بالإرهابيين وإشغال الجيش المصري بجبهة حرب جديدة بقصد زيادة الضغط على الحكومة المصرية من أجل دعم الإخوان وبأوهام إعادتهم إلى كرسي الحكم الذي خسروه بعد انكشافهم أمام الشعب والمصري وانفضاح حقيقتهم.

وشاءت الظروف – وربما الأصابع الخفية – أن يكون الجنوب جزءاً من قلق مصر، فالخلاف المتصاعد بين الجارتين، اللتين لا تشتركان بحدود برية أو بحرية، وإنما ترتبطان بحبل سري مشترك هو نهر النيل، أصبح مصدراً جديداً للقلق لمصر، بسبب بناء إثيوبيا سد النهضة على نهر النيل، ما جعل مصر تضيف تحدياً جديداً لتحدياتها السابقة، وأن تكون الجهة الجنوبية لها جبهة جديدة – وهي الأهم والأخطر – لأنها شريان الحياة لمئة مليون مصري، ولو تغير الحال لحدثت الكارثة، خصوصاً أن أكثر من 90% من أراضي مصر صحراوية ومياه النيل لا يمكن العبث بها.

هذه هي حالة مصر مع جيرانها، صورة تعكس واقعاً مؤلماً، والأسوأ من هذه الصورة الواضحة هي الحقيقة غير الواضحة التي تدل على أن من يقف خلف أزمات مصر من الجهات الأربع هي الأطراف نفسها، وربما للهدف نفسه.

الحقيقة التي يجب أن يتذكرها باقي جيران مصر هي أن واجبهم القومي والعربي والأخلاقي يدعوهم للوقوف إلى جانبها، ليس فقط من أجل مصر وإنما من أجل أنفسهم، فالمستهدف من وراء ضرب مصر، العرب واحداً تلو الآخر، وأضم صوتي إلى صوت معالي د. أنور قرقاش عندما غرد بالأمس قائلاً: «لا يمكن أن يكون عالمنا العربي وعواصمه مشاعاً للتدخل الإقليمي دون حساب أو عقاب، ولا بد لزمن تدخّل الحشود والميليشيات والمرتزقة الأنكشارية أن يولّي، وسيحكم التاريخ بقسوة على من فرّط في سيادته ومن يستقوي بالقوى الإقليمية لهوى حزبي أو متذرعاً بضعف النظام العربي».

88552_ALR_14-10-2019_p32-1

العرب.. والاحتلال التركي الجديد

ما يفعله أردوغان الآن هو احتلال رسمي لجزء من أراضٍ عربية. ولا تفسير ولا تحليل ولا تبرير لما تقوم به قواته في شمال سوريا غير أنه احتلال مخطط له وإصرار على الاعتداء على أراضٍ عربية وتعريض أهلها من مدنيين سواء كانوا عرباً أو أكراداً لمجزرة حقيقية.

الأطماع التركية في سوريا ليست بالجديدة، فمنذ سقوط الدولة العثمانية وأحلام تركيا الحديثة بالتوسع على حساب الأراضي العربية لم تتوقف، ومعاهدة لوزان 1923 تكشف أطماعها في الشمال السوري وتهديدها بغزو هذه المنطقة تكرر مراراً، واليوم تأتي ساعة الصفر لتحقيق تلك الأطماع واستغلال الفوضى التي تشهدها سوريا والفراغ الذي شكّله الانسحاب الأمريكي لتفرض الأمر الواقع بقوة السلاح!

ومن جديد تكرر الولايات المتحدة أخطاءها في المنطقة، فبعد أن انسحبت من العراق منذ سنوات لتسمح لإيران بالانتشار في هذا البلد العربي والتغلغل فيه، تكرر الخطأ ذاته، وبالطريقة نفسها، لتسلم جزءاً من سوريا لتركيا، والمبرر المفضوح هو إيجاد «منطقة آمنة»! فتركيا تدعي أنها تريد حماية نفسها من الانفصاليين الأكراد! والسؤال هنا، هل من يريد حماية نفسه وأراضيه يدخل أراضي جيرانه العرب ويحتل أرضهم ويفتح الجامعات والمدارس؟ فجامعة غازي عنتاب فقط تخطط لفتح 3 كليات في بلدات صغيرة بشمال سوريا!

ما يحدث في شمال سوريا جريمة يتحمل مسؤوليتها ترامب وأردوغان معاً، وبعد تخلي ترامب عمن حاربوا معه داعش، لا قيمة لاعتباره التدخل التركي «غزواً» أو «سياحة»، فبقرار الانسحاب الأمريكي يكون قد أعطى الضوء الأخضر لبدء الاحتلال التركي لأراضٍ سورية عربية.. وهذا يؤكد من جديد أن من يعتمد على الحليف الأمريكي هو مغامر، فالحليف الأمريكي كشف أكثر من مرة أنه يمكن وبدون أي مقدمات أن يتخلى عن حلفائه بدون أي تقدير ولا اعتبار لكل ما يتم تقديمه من جهد وتضحيات، فالحلفاء كالأوراق يستخدمهم ويتخلص منهم بمجرد حصوله على مصلحته منهم، فهذا ما فعله الرئيس ترامب بالضبط وصدم حلفاءه والعالم بقراره!

الجميع حذرون من أن يؤدي اتخاذ مثل هذا القرار إلى عودة داعش، لكن لا حياة لمن تنادي، فقد رأى الجميع أمس أن أول رد فعل عسكري على الأرض قبيل الضربات التركية بنحو ساعتين، جاء عبر عمليات انتحارية نفذها تنظيم داعش ضد الأكراد.. فهل يمكن أن نعتبر أن ذلك يثبت ارتباط التنظيم بتركيا التي سهّلت دخول وخروج قياداته 3 سنوات؟

بعيداً عن تركيا والولايات المتحدة، العرب أمام مسؤولية تاريخية بألا يسمحوا لمحتل جديد أن يغتصب أرضاً عربية.

88552_ALR_14-10-2019_p32-1

باباجان.. وداعاً أردوغان

لم يستفق أردوغان من هزيمة معركة إسطنبول وخسارة بلديتها حتى جاءته الصدمة الكبيرة بالأمس، التي ستهز عرشه من أساسه، فاستقالة باباجان من حزب العدالة والتنمية صفعة كبيرة لرئيس الجمهورية زعيم الحزب رجب طيب أردوغان، وخروج هذا الرقم الصعب ستكون له تداعياته السياسية، خصوصاً أنه أشار في رسالة، وجهها للشعب، إلى انقسام بين قيمه وأفكاره وقيم وأفكار الحزب، وقال: هناك حاجة لرؤية جديدة لمستقبل تركيا.علي باباجان هو عضو مؤسس لحزب العدالة والتنمية، وكان قد شغل مناصب مهمة في الحكومة التركية، منها وزير الاقتصاد ووزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء، لذا ستكون لاستقالة باباجان هزات سياسية كبيرة داخل الحزب ولقوة ونفوذ أردوغان.

وما يجعل هذه الاستقالة صعبة هو أنها تأتي في وقت حرج للغاية بالنسبة لأردوغان، الذي يعيش فشلاً سياسياً واقتصادياً وشعبياً متزايداً، خصوصاً بعد أن فشل رجله القوي علي يلدريم في الفوز في انتخابات بلدية إسطنبول.

وتعد هذه الاستقالة دليلاً كبيراً على أن نجم أردوغان بدأ يضمحل ويفقد حضوره وتأثيره بصورة متسارعة.

والسؤال.. بعد أن نجح باباجان في القفز من المركب قبل أن يغرق، هل سيؤسس حزباً جديداً؟، خصوصاً أن من المتوقع ألا تقف أزمة أردوغان وحزبه عند استقالة باباجان، بل ستتبعها سلسلة استقالات وانهيارات داخلية أخرى بعد أن أغضب الرئيس كل أتباعه وشركائه واستبد بالحكم.

تركيا اليوم بحاجة إلى تجديد روحها واستعادة مكانتها التي خسرتها بسبب سياسات أردوغان مع دول المنطقة ودول العالم، فكل السياسات التركية خلال السنوات الماضية كانت ضد المصلحة الوطنية التركية، وضد مصالح الشعب التركي، وكانت موجهة لمصلحة أردوغان شخصياً ومصلحة حزبه والآيدولوجية التي يؤمن بها، لقد خسر الكثير، ومن يدفع الثمن اليوم هو الشعب التركي الذي يواجه وضعاً اقتصادياً صعباً ومستقبلاً سياسياً مجهولاً في ظل الاستبداد الأردوغاني!

فهل توقظ استقالة باباجان أردوغان أم تكون بداية الوداع الأخير؟

88552_ALR_14-10-2019_p32-1

تركيا في بلاد العرب من جديد

الوضع في ليبيا لم يعد معقداً فقط بل بدأ يأخذ طابع السيريالية في أحداثه وتطوراته اليومية وآخرها التجاذبات مع تركيا، فبعد أن تم إنكار احتجاز الجيش الليبي لبعض الأتراك، جرى، خلال أقل من 24 ساعة، الإفراج عن هؤلاء الأتراك، بعد تهديدات تركية شديدة اللهجة!

الأمر في ليبيا وفي طرابلس بالتحديد يطرح تساؤلاً كبيراً، وهو من الذي يحكم ويتحكم في الوضع على الأرض العربية الليبية؟ وما هو الدور التركي هناك؟

المشهد الليبي بحاجة إلى تمعن، والتصرفات التركية بحاجة إلى متابعة يومية، ومنذ أيام نشرت صحيفة أكشام الموالية للحكومة التركية صورة لأردوغان بجانب عنوان عريض يقول: «متصدر في سبع دول بفارق كبير»، وكان ذلك بعد خسارة حزب العدالة لانتخابات بلدية إسطنبول مباشرة.. فهل أصبحت تركيا تتفاخر بأنها تُمارس احتلال دول عربية كما تفاخرت طهران منذ سنوات بأنها تحتل أربع عواصم عربية؟

الحقيقة أنه منذ المحاولة المريبة للانقلاب العسكري الأخير في تركيا، عمل الرئيس رجب طيب أردوغان على الزج بالقوات المسلحة التركية في معارك خارج الحدود.

فتركيا تحتل حالياً أجزاء غير قليلة من الشمال السوري، وتتمركز ليس فقط بقوات مراقبة لخفض التصعيد، لكن أيضاً بمدرعات ودبابات وطائرات من طراز F16، فضلاً عن بطاريات مدفعية وآلاف الجنود.

وهي تتدخل براً عبر القوات الخاصة، وجواً عبر الطيران الحربي والمروحيات القتالية في شمال العراق، فضلاً عن إصرارها على التواجد العسكري في قاعدة بعشيقة رغم رفض الحكومة العراقية.

كما أصبحت هناك قاعدة عسكرية تركية، هي الأولى من نوعها في الخليج وتحتضنها قطر.

وتركيا ليست بعيدة عن أفريقيا، ففي عهد الرئيس السوداني السابق عمر البشير سعت لإقامة ذراع تركية في البحر الأحمر، عبر السيطرة على ميناء سواكن الاستراتيجي.. كما أنها لا تتوقف عن تعزيز وجودها على جميع الأصعدة في الصومال.

في ليبيا، هي تدعم رسمياً ميليشيات حكومة الوفاق الإخوانية ليس سياسياً ومالياً فقط، لكن أيضاً عبر رحلات شحن بحري لإمداد الميليشيات بمدرعات تركية الصنع، تحرص أنقرة بشدة على تزويد المسلحين والميليشيات بأسلحة من إنتاجها المباشر، وذلك لتجنب أي اعتراض دولي من شركات الأسلحة الكبرى، كما أصبح واضحاً استخدام تركيا أراضي الدول العربية لاستعراض السلاح التركي كمنتج قابل للتصدير، وكأن الدول العربية معرض أسلحة مفتوح لاستعراض المنتجات التركية!

فهل نحن أمام أحلام أردوغان بعودة الأتراك إلى بلاد العرب وأحلام الإمبراطورية العثمانية؟!