88552_ALR_14-10-2019_p32-1

«صديقنا بوتفليقة»!

تفاجأ الإماراتيون منذ أيام برفع مواطنين جزائريين لافتات ضد الإمارات خلال مظاهراتهم في الجزائر.. وتساءلوا ما الذي يجعل الشعب الجزائري الشقيق، الذي يحترمه الشعب الإماراتي ويقدره، يتخذ ذلك الموقف المعادي لها؟ فالإمارات لا ناقة لها ولا جمل في أحداث الجزائر، وإذا كان لها دور فإنها يفترض أن تقف مع الرئيس المستقيل بوتفليقة، الذي كان صديقاً للعشرات من الإماراتيين خلال فترة إقامته فيها لعقدين من الزمان، لكن الإمارات لم تتخذ أي موقف تجاه ذلك، فسياسة الإمارات واضحة، وهي عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.. ولكن هذا الوضع ليس جديداً بالنسبة للإمارات، فمن يقف وراء ذلك معروف ولا أعتقد أن سبب ذلك يخفى عن أغلب الشعب الجزائري.

وما أتمنى أن ينتبه إليه ثوار الجزائر الذين نجحوا في تحقيق أهدافهم وهم في مرحلة ما بعد تغيير النظام، أن المرحلة الحالية هي الأصعب، فهي مرحلة محاولة «سرقة ثورة الشعب» وهو تماماً ما حدث في مصر عندما قفز الإخوان المسلمون والإسلاميون على الثورة واختطفوها من الشعب المصري، وهذا ليس سراً، فمن يتابع الإعلام الإخواني في تركيا وغيرها سيلاحظ الاهتمام المبالغ فيه بالوضع الجزائري من قبل هذه الجماعة، ولكن يبطل العجب إذا ما عرف السبب، فما يتم الآن هو الضرب في كل ثوابت الدولة الوطنية وعلى رأسها المؤسسة العسكرية حتى يتهيأ الوضع ليرفع المستغلون من الإخوان رأسهم ويقولوا ها نحن ذا.. ويفرضوا أنفسهم كبديل للحكم.. والحقيقة أنهم كانوا جزءاً من الحكم السابق بل جزءاً من الفساد الذي أرادت الثورة اقتلاعه.
الشعب الجزائري المجاهد الذي ضحى في ثورته الكبرى، ثم نجح في القضاء على الإرهاب، يستطيع أن يكتشف هذه اللعبة الإخوانية، ويكتشف لماذا يتم الزج باسم الإمارات في الجزائر في هذه المرحلة.. أما الإمارات فلن تغير موقفها الداعم للشعب الجزائري والدولة الجزائرية بسبب عدد صغير من المتظاهرين رفعوا لافتات ضدها.

88552_ALR_14-10-2019_p32-1

العقدة الجزائرية

في مظاهرات شعبية تعتبر الأكبر منذ 30 عاماً يواجه الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة اعتراضات ورفضاً شعبياً كبيراً لإعادة ترشحه في انتخابات الرئاسة المقبلة، والتي لا ينافسه فيها أحد، فقد خرج الجزائريون إلى الشوارع منذ أسابيع ليعلنوا عن ذلك لأول مرة بكل وضوح.

ويبدو أن الشعب الجزائري مصرٌّ هذه المرة على منع ترشح بوتفليقة لعهدة خامسة وهو في تحركاته السلمية الأخيرة لا يلقي بالاً للغازات المسيلة للدموع ولا لتهديدات الرئيس ولا لموقف الجيش الذي من الواضح أنه يترقب ما قد تسفر عنه تطورات الأحداث، أما الحزب الحاكم فهو آخر ما يهم الشارع، خصوصاً بعدما تبيّن أنه مهدد بالانهيار بعد الحديث عن استقالة عدد من نوابه!

ولا يختلف الجزائريون على مكانة بوتفليقة السياسية ولا يقللون من تقديره باعتباره شخصية وطنية ومجاهداً له دوره في بناء الجزائر الجديدة، لكنهم يرفضون استغلال مَن حوله لاسمه وتاريخه، فالشارع الجزائري يعتقد أن مرض بوتفليقة يجعله خارج نطاق اتخاذ القرار وبالتالي فإن مَن حوله يتخذون القرارات ويستخدمونه لتحقيق أهدافهم وهذا ما لا يقبله الشعب ولا يريده أن يستمر.

وبلا شك، فإن مطالب الجزائريين منطقية ومشروعة، وتأتي بعد سنوات من الصبر والصمت، لكن هناك حقيقة سياسية وعقدة في الحالة الجزائرية اليوم، فهناك من يرى أن نجاح هذه الاحتجاجات يؤسس لعودة ما يسمى بـ «الربيع العربي» في أماكن أخرى بعد أن فقد هذا الربيع زخمه وتأثيره، وفي هذا السياق هناك من يرى ضرورة استمرار ترشح بوتفليقة، وفوزه ـ وإن تطلب تدخل الجيش ـ لأن تراجعه عن الترشح سيعني أن ربيع الجزائر كسب المعركة، ولا يرى هؤلاء إشكالاً في أن يستقيل الرئيس بعد أيام من عهدته الخامسة.

وهناك من يرى أن دفع بوتفليقة إلى الانسحاب تحت ضغط الشارع قد يفتح مجالاً لعودة القوى المتطرفة إلى الجزائر وانتشار الفوضى، وفي ذلك تهديد لأمن المنطقة وتهديد لأمن ومصالح أوروبا.

المعادلة الصعبة في الجزائر هي أن هناك شارعاً لديه مطالب ويريد نجاح تحركاته، وفي المقابل هناك أطراف لديها حسابات أخرى لا تريد نجاح تحركات الشارع! فمن لديه القدرة على فك العقدة الجزائرية وتقديم المعادلة المنطقية والمعقولة سياسياً وشعبياً، والتي تجعل الأطراف تقتنع بالقرار الذي يتم اتخاذه والحل الذي يتم الاتفاق عليه.