88552_ALR_14-10-2019_p32-1

العرب إلى المريخ

حتى لحظة انطلاق الصاروخ الذي يحمل مسبار الأمل نحو كوكب المريخ فجر اليوم كان لا يزال هناك مِن العرب مَن يشكك في هذا المشروع وفي هذا الإنجاز العربي الكبير، الكثير منهم لم يصدق أن العرب يمكن أن يصلوا يوماً من الأيام إلى المريخ ولو عن طريق مسبار يستكشف الغلاف الجوي للكوكب الأحمر، وعن حلم بدأ قبل 7 سنوات وعمل استمر على مدى 6 سنوات استكثر بعض العرب أن ينسبه لبلد عربي، فضلاً عن أن يتقبل فكرته أصلاً، فمرة قالوا إنه تمثيلية ومرة قالوا إنه ليس حقيقياً، ومرة قالوا إن المسبار أمريكي بتمويل إماراتي، وقالوا كثيراً وزادوا، على الرغم من أن المسبار عربي حقيقي وفريق عمله شباب عرب إماراتيون بالإضافة إلى بعض الجنسيات التي كان لها دور في هذا المشروع الضخم.

شك بعض العرب ليس في الإمارات وإنما في أنفسهم وفي حالتنا كعرب، فالعقل العربي لا يستوعب أن بمقدور العرب أن يفعلوا شيئاً كهذا، وعدم تصديق أن دولة عربية ترسل مسباراً إلى المريخ يبدو منطقياً في ظل الأزمات التي تعيشها كثير من الدول العربية وفي ظل الإرهاب الذي أصبح سمة هذه الأمة في العقدين الماضيين، والحقيقة أن الإمارات ولهذه الأسباب كان إصرارها أكبر على هذا المشروع الذي كان يوماً من الأيام مشروعاً خيالياً، بل كان ضرباً من المستحيل أن نصل إلى المريخ، لكن ولأن قيادة الإمارات تؤمن بنفسها وبقدراتها كما تؤمن بأمتها العربية وبتاريخها العريق والمشرِّف في مختلف العلوم، لذا قبلت التحدي ووضعت لنفسها هدفاً صعباً وهو الوصول إلى المريخ إلى جانب الدول المتقدمة وكي تضع العرب من جديد مع الأمم العظيمة، فهذا الإنجاز ليس إنجازاً إماراتياً وإنما هو إنجاز لكل إنسان عربي ويحق لكل العرب أن يفخروا بأنفسهم وبأمتهم وأن يستعيدوا الثقة بأنفسهم وأن يوقنوا بأنهم يستطيعون أن يكونوا كباقي أمم الأرض فليس هناك مستحيل إذا توفرت الرؤية الواضحة والإرادة القوية والإدارة الحازمة، هكذا تعلَّمنا في الإمارات فحتى في ذروة انشغال العالم بمواجهة جائحة كورونا أصرت الإمارات على أن تستكمل مشروعها وأن تطلق مسبار الأمل إلى المريخ.

سيُنهي هذا المسبار مهمته ويعود إلى الأرض في العام المقبل 2021 وهو العام الذي تحتفل فيه الإمارات بالذكرى الخمسين لقيام اتحاد دولة الإمارات، ففي نصف قرن نجحت الإمارات في أن تحول حلمها من الصحراء إلى الفضاء لتدور حول كوكب المريخ، وهذا بفضل قيادة دولة الإمارات التي أحبت هذه الأرض وآمنت بهذا الشعب ووثقت بقدراتها فألغت كلمة المستحيل من قاموسها.

سيشهد التاريخ بأن العرب عادوا إلى رَكْب الحضارة الإنسانية في تمام الساعة 01:58 من فجر يوم الاثنين 20 يوليو 2020 ومن دولة الإمارات التي يرأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ونائبه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وأخوهما صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي، حفظهم الله جميعاً.

88552_ALR_14-10-2019_p32-1

الإخوان.. كلمة السّر في الخطة التركية الإيرانية القطرية لإشعال جبهة اليمن في 2020

لاحظ المراقبون للشأن اليمني التصعيد الأخير لميليشيات حزب الإصلاح في محافظتي شبوة وأبين باليمن مع بداية العام الجديد، وذلك على الرغم من سريان اتفاق الرياض الذي وقعت عليه جميع الأطراف، ويفترض أنها تلتزم به.. فما الذي حدث؟

ما حدث في اليمن هو نتيجة لما تم الاتفاق عليه في كوالالمبور الشهر الماضي، حيث لُوحظ زيارة وفود «إصلاحية» إلى تركيا بعد انتهاء تلك القمة مباشرة، فقد قام وزير النقل اليمني صالح الجبواني، ووفود الإصلاح بلقاء قيادات من حزب العدالة والتنمية التركي، من بينهم: نعمان قورتولموش، ومسؤولين أتراك، منهم: ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي.

وبلا شك، إن مقتل قاسم سليماني في الثالث من يناير الجاري لم يكن في الحسبان أثناء «التآمر» في كوالالمبور، إلا أن ذاك الاتفاق لا يمكن أن يتغير بفقدان لاعب واحد ـ وإن كان أساسياً ـ لذا، فمن المهم أن تدرك دول المنطقة الخطة الجديدة، والتي بدأت فعلياً مع بداية عام 2020 بتحركات حزب الإصلاح في اليمن.. لكن تُرى ما الذي جرى بماليزيا في شهر ديسمبر الماضي؟

ما حدث باختصار خطة ثلاثية جديدة اتفقت عليها 3 دول إقليمية هي: إيران وتركيا وقطر، هدفها زعزعة أمن واستقرار المنطقة، وبالتحديد الإضرار بالأمن القومي العربي من خلال الملف اليمني.

فبناء على معلومات من دبلوماسي عربي، فإن أردوغان اجتمع بالرئيس روحاني والشيخ تميم على هامش قمة كوالالمبور الإسلامية ـ التي باءت بالفشل ـ وتمَّ الاتفاق على «تسخين» الجبهة اليمنية من خلال التقريب بين «إخوان اليمن – الإصلاح» والحوثيين، بهدف استمرار نزيف التحالف العربي في اليمن.. وبالتالي تعطيل فاعلية الدول العربية بالملف الليبي في الوقت الذي يتصاعد فيه التوتر على الجبهة الليبية.

الجناح القطري

كما تمَّ التوافق على أن تقوم قطر ومن خلال ما يسمى «الجناح القطري» في إخوان اليمن بعقد سلسلة من الاجتماعات في الدوحة وتركيا وماليزيا لتنسيق الخطوات التالية، ووفق تلك المصادر، فإن التنسيق القطري التركي الإيراني في اليمن سيأخذ مجموعة من الأشكال خلال الفترة المقبلة:

1 ـ إشهار تركيا لورقة الإخوان المسلمين في اليمن «علناً» خلال الفترة المقبلة عبر التصريحات الداعمة علنياً بين تركيا وإخوان اليمن، بعد أن كان حزب الإصلاح ضمن التحالف العربي والأجندة اليمنية. ويأتي إشهار الورقة الإخوانية في اليمن بعد أن نجح الإخوان ـ حسب تصور الأطراف الثلاثة ـ في تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وميدانية غير مسبوقة في اليمن. والأهداف التركية الإيرانية القطرية من هذا التحول هي مزيد من الضغط على دول التحالف العربي، وخاصة الإمارات والسعودية، ودفع الحوثيين للقيام ببعض العمليات العسكرية التي تستنفر قوات التحالف وتضعف إرادتها حتى لا تذهب أو تفكر في جبهات أخرى، مثل الملف الليبي الذي يريد أردوغان أن يحظى بدعم قطر وإيران فيه، مقابل حصول إيران على تعاطٍ تركي/ ‏‏‏‏قطري أفضل في الحديث عن الحوثيين، وترديد أن الحوثي أفضل من «الاحتلال» الإماراتي ـ السعودي حسب زعمهم، كما تم الاتفاق بين «الأطراف الثلاثة» التركية الإيرانية القطرية على التحرك معاً وبشكل متوازٍ في الملفات الأخرى في المنطقة.

2 ـ قيام الحوثي وحزب الإصلاح باستئناف استهداف قوات المجلس الانتقالي والنخب في المناطق الجنوبية، وقيام حزب الإصلاح بتقديم معلومات عن تحركات قوات المجلس الانتقالي والنخب، حتى يسهل استهدافها من جانب الحوثي بما يصب في صالح الحوثي وإخوان اليمن معاً.

3 ـ قيام الحوثي بعمليات استهداف جديدة بحق السعودية، وتهديد الإمارات والسعودية معاً من خلال استئناف إطلاق الصواريخ والطائرات المسيّرة على أهداف سعودية حيوية.

ورقة الحوثيين

4 ـ الاتفاق على أن التصعيد الحوثي تجاه التحالف العربي سيخدم إيران من خلال تفعيل «ورقة الحوثيين» الأقل تكلفة بالنسبة لإيران بهدف تخفيف الضغط الأمريكي على إيران في ملفات العراق وسوريا وحزب الله اللبناني، وتوافقت الأطراف الثلاثة على «تجنب» التصعيد مع إسرائيل في سوريا والعراق، وأن هذا الأمر يخدم الأجندة الإيرانية في هذا التوقيت الصعب على طهران.

5 ـ قطع الطريق على أي تحسن في العلاقة بين الحوثي والسعودية وإفشال أي تقارب أو وساطة تجمع أو تقرب بين الجانبين.

6 ـ التشكيك الدائم في العلاقة بين الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي والتحالف العربي، من خلال الحديث عن أن دعم التحالف العربي للقائد عيدروس الزبيدي وليس للشرعية، واتهام الإمارات بأن أجندتها في اليمن انفصالية هدفها تقسيم اليمن، والادعاء بأن قرار الرئيس هادي مخطوف ومعزول ويجب تحرير القرار اليمني من الهيمنة السعودية والإماراتية.

7 ـ التشكيك الدائم في جدوى اتفاق الرياض والقول إنه اتفاق ميت، ولم يتحقق منه شيء، وأن الاتفاق في النهاية سيمكن الأطراف الموالية للإمارات على حساب الإخوان في اليمن.

حرّاس الجمهورية

8 ـ الهجوم على طارق صالح وعلى دوره في الساحل الغربي «حراس الجمهورية» بادعاء أنه ظلٌ للإمارات، ويعمل خارج الشرعية اليمنية، وتأليب أبناء الساحل الغربي والحديدة ضد طارق صالح، ووفق هذه المعلومات، فإن الضرب في طارق صالح أثمر بالفعل عن تراجع في عدد القوات التي تعمل معه، كما تراجعت الحاضنة الاجتماعية لقواته من خلال نشاط الخلايا الإخوانية التي تتهمه بالعمل لصالح الإمارات وليس من أجل دحر الحوثي.

9 ـ الاستمرار في خلق الخلافات ودق الأسافين بين الإمارات والسعودية من خلال الادعاء بأن الإمارات تخدع السعودية في اليمن، وأن أبوظبي تنفذ أجندة خاصة بها وليست لها علاقة بأهداف التحالف العربي، وستتولى قنوات الجزيرة والإعلام الإيراني في الدول العربية هذا الأمر، وتمرير رسائل بأن التقارب بين إيران واليمنيين ليس عيباً، وأن التصالح مع الحوثي ممكن باعتبار الحوثي «فصيلاً يمنياً» أفضل من الأطراف الخارجية «السعودية ـ والإمارات»، والادعاء بأن التصالح حتمي مع الحوثيين.

10 ـ إغلاق كل السبل التي يمكن أن تتوصل لحلول سياسية وسلمية في اليمن، وإفشال كل الجهود الدولية والعمانية في هذا الشأن بحجة أن «تجميد الجبهة اليمنية» ليس في صالح الدول الثلاث ـ تركيا، إيران، قطر ـ وفي سبيل ذلك ستوفر قطر مرتبات الجنود التابعين للإصلاح خلال الفترة المقبلة في حال انقطاع المرتبات من الحكومة الشرعية، وقيام تركيا بتدريب عناصر إخوانية على الطائرات المسيّرة في الجزء الشمالي من قبرص، حيث توجد قاعدة تركية كبيرة للتدريب على الطائرات المسيّرة، إضافة إلى سحب أغلبية العناصر الإصلاحية من الجبهات للضغط على السعودية والإمارات لتقديم تنازلات، والتخلي عن المجلس الانتقالي الجنوبي. وقالت تلك المصادر أيضاً: إنه من المقرر أن تدعو تركيا قيادات قبلية تحت مسميات، مثل العلاج، لزيارة تركيا، وتأليب هذه القيادات على الإمارات والسعودية.

88552_ALR_14-10-2019_p32-1

جيران مصر

يدخلها الناس آمنين ويخرجون منها بسلام مطمئنين.. هذه هي مصر منذ قديم الزمان، مصر المُحبة التي لا تعتدي على جيرانها ولا تشن الحروب ولا تفتعل الأزمات، ورغم ذلك تجد نفسها اليوم محاصرة ومهددة من الجهات الأربع من الشرق والغرب والشمال والجنوب بجيران يعادونها ويجرونها إلى حروب لا ترغب فيها.

ففي الشرق لم ينتهِ خطر إسرائيل على مصر حتى بدأت المجموعات الإرهابية عملياتها الدموية ضد الشعب المصري في سيناء وضد الجنود الذين يحمون حدود مصر الشرقية، ودفعت مصر في سبيل الدفاع عن أرضها أرواح العشرات، وربما المئات من أبنائها وما زالت المواجهات مستمرة، ومن الشمال لم يتوقف الجار التركي اللدود غير البعيد جغرافياً عن استهداف مصر على مدى السنوات الأخيرة الماضية، من خلال دعم جماعة الإخوان المسلمين ورعايتهم واحتضانهم في تركيا، وكذلك من خلال تحريض العشرات من المؤسسات والمنصات الإعلامية ضد مصر من خلال الأخبار المفبركة والتقارير السلبية والتحريضية، والعمل على إثارة المشاكل في الداخل وزعزعة الاستقرار فيها لصالح تنظيم الإخوان.

لم يقتصر الاعتداء التركي على الشمال، بل انتقل ليكون الخطر القادم من الغرب، ومن ليبيا تحديداً، بعد أن دخلت وسيطرت القوات المسلحة التركية على مناطق من ليبيا بالتواطؤ مع حكومة الوفاق ومن معهم من ميليشيات الإخوان والمجموعات الإرهابية، وكذلك المرتزقة الذين نقلهم أردوغان من سوريا إلى ليبيا، واليوم طبول الحرب تقرع في ليبيا من أجل استيلاء تركيا على النفط والغاز الليبي من ناحية، ومن ناحية أخرى تهديد مصر وإشعال حدودها الغربية بعد أن دعم نظام أردوغان الإرهاب في الحدود الشرقية، والهدف هو تفخيخ الحدود الغربية بالإرهابيين وإشغال الجيش المصري بجبهة حرب جديدة بقصد زيادة الضغط على الحكومة المصرية من أجل دعم الإخوان وبأوهام إعادتهم إلى كرسي الحكم الذي خسروه بعد انكشافهم أمام الشعب والمصري وانفضاح حقيقتهم.

وشاءت الظروف – وربما الأصابع الخفية – أن يكون الجنوب جزءاً من قلق مصر، فالخلاف المتصاعد بين الجارتين، اللتين لا تشتركان بحدود برية أو بحرية، وإنما ترتبطان بحبل سري مشترك هو نهر النيل، أصبح مصدراً جديداً للقلق لمصر، بسبب بناء إثيوبيا سد النهضة على نهر النيل، ما جعل مصر تضيف تحدياً جديداً لتحدياتها السابقة، وأن تكون الجهة الجنوبية لها جبهة جديدة – وهي الأهم والأخطر – لأنها شريان الحياة لمئة مليون مصري، ولو تغير الحال لحدثت الكارثة، خصوصاً أن أكثر من 90% من أراضي مصر صحراوية ومياه النيل لا يمكن العبث بها.

هذه هي حالة مصر مع جيرانها، صورة تعكس واقعاً مؤلماً، والأسوأ من هذه الصورة الواضحة هي الحقيقة غير الواضحة التي تدل على أن من يقف خلف أزمات مصر من الجهات الأربع هي الأطراف نفسها، وربما للهدف نفسه.

الحقيقة التي يجب أن يتذكرها باقي جيران مصر هي أن واجبهم القومي والعربي والأخلاقي يدعوهم للوقوف إلى جانبها، ليس فقط من أجل مصر وإنما من أجل أنفسهم، فالمستهدف من وراء ضرب مصر، العرب واحداً تلو الآخر، وأضم صوتي إلى صوت معالي د. أنور قرقاش عندما غرد بالأمس قائلاً: «لا يمكن أن يكون عالمنا العربي وعواصمه مشاعاً للتدخل الإقليمي دون حساب أو عقاب، ولا بد لزمن تدخّل الحشود والميليشيات والمرتزقة الأنكشارية أن يولّي، وسيحكم التاريخ بقسوة على من فرّط في سيادته ومن يستقوي بالقوى الإقليمية لهوى حزبي أو متذرعاً بضعف النظام العربي».

88552_ALR_14-10-2019_p32-1

الحظر في الجو والحل في الرياض

ما أكثر الأفراح المزيفة في الدوحة! فلا يكاد ينكشف احتفالها بإنجاز زائف حتى تعلن لشعبها «المغلوب على أمره» إنجازاً وانتصاراً زائفاً جديداً، كما فعلت يوم أمس، عندما أقامت الدنيا ولم تُقعدها فقط بسبب قرار محكمة العدل الدولية حول «الحظر الجوي»، الذي يعتبر قراراً تقنياً ومقتصراً على المسائل الإجرائية والولاية القضائية لمعالجة النزاع، وقد نظر في الأسس الإجرائية للقضية فحسب.

الحقيقة التي أعلنتها الدول الأربع المقاطِعة لقطر منذ صيف 2017 أن مقاطعتها لهذه الدولة لن تنتهي وأجواءها لن تُفتح لها إلا بعد أن تنفذ الدوحة ما وعدت بالالتزام به وتتوقف عن دعم الإرهاب وزعزعة استقرار دول المنطقة.. وهذا هو الأساس القانوني للإجراءات التي قامت بها الدول الأربع بحظر الطيران بناء على اتفاقيات الرياض، واستمرار دعم قطر للإرهاب والتطرف، إذ جاءت الإجراءات لحماية الأمن الوطني لدولها والحفاظ على أرواح مواطنيها، وهذه مسائل أمنية وسياسية لا يمكن لهيئة تقنية كمنظمة الطيران المدني ومجلس المنظمة البت فيها.

هذه ليست القضية الوحيدة التي رفعها نظام الحمدين في الدوحة على الإمارات والسعودية ومصر والبحرين، فمنذ المقاطعة وبعد أن انكشفت فضائح هذا النظام وبعد أن سقطت كل أقنعته، أصبح نظاماً عدائياً مارقاً بعيداً كل البعد عن الأخلاق العربية الأصيلة والأعراف الدولية الرشيدة، ولا نستغرب ذلك عندما نعلم أنه التلميذ النجيب والمطيع لحليفيه الإقليميين، الذي أصبح مستمعاً نبيهاً لهما، يقلد سلوكهما وينفذ نصائحهما ومخططاتهما حرفياً ضد جيرانه وأشقائه، كيف لا يكون ذلك وهو الذي خدع العالم بأن جيرانه يتدخلون في شؤونه الداخلية ويعتدون على سيادته ليكتشف الشعب القطري والعالم بعد حين أن التركي والإيراني هما أسياد الدوحة بعد أن تبخرت السيادة في سبيل التآمر الرخيص!

بهذه المناسبة نعيد على نظام الحمدين في الدوحة وبلسان عربي فصيح، وليس بلسان فارسي ولا تركي، أن حل مشكلته ليس في لاهاي ولا في جنيف ولا في واشنطن ولا في لندن، حل مشكلته أقرب من ذلك بكثير، إنه في الرياض.

وأكدت هذا الأمر بالأمس سفيرة الإمارات في هولندا الدكتورة حصة العتيبة عندما قالت: «هذا الخلاف لن يُحل عن طريق (إيكاو) أو أي منظمة دولية أخرى، ولن تعود العلاقات إلى ما كانت عليه، إلا عندما تلتزم قطر أمام الدول الأربع بتنفيذ اتفاقيات الرياض وتثبت أن بإمكانها لعب دور بنّاء في المنطقة».. فهل يستوعب نظام الدوحة الكلام هذه المرة؟

88552_ALR_14-10-2019_p32-1

هل أنصف الغبرا وطنه وشعوب المنطقة؟!

كنت لأتفق مع الدكتور شفيق الغبرا في مقاله منذ أيام في إحدى الصحف العربية تحت عنوان «الإخوان المسلمون وقضية الاجتثاث» لو كان الإخوان فعلاً حزباً سياسياً أو مجرد جمعية نفع عام كما صنّفهم الغبرا، وكما حاول تصويرهم بصورة رومانسية، متجاهلاً سلسلة طويلة من الحقائق عنهم، فما ذكره الغبرا في مقاله غير صحيح، وأستغرب من أكاديمي مخضرم يعطي للجمهور هذا الوصف السطحي، وربما الخادع عن الإخوان، فلو كان هذا الرأي من شخص عادي لمرّرناه، ولو كان قد قيل قبل ربع قرن لقبلناه، ولكن طرحه في هذا الوقت، وبعد أن انكشفت حقيقة الإخوان على جميع المستويات وفي كل مكان، بلا شك يدعو إلى الاستغراب الكبير، وخصوصاً بعد التسجيلات الأخيرة لقادة الإخوان مع معمر القذافي في خيمته العامرة!

ليت الغبرا استعرض لنا في سياق حديثه عن الإخوان الذين يدافع عنهم ماذا قدم أفراد هذا التنظيم للمجتمعات العربية وماذا قدموا للمسلمين – الذين يربطون اسم جماعتهم بهم – وماذا قدم التنظيم للمجتمعات العربية والإسلامية طوال تسعة عقود، فقد نكون وجدنا له العذر!

تحليل الغبرا يشوبه الكثير من القصور والبعد عن الموضوعية، وخصوصاً عندما يختزل حرب المجتمعات العربية والخليجية في أنها «شيطنة» ضد الإخوان وأنها صراع من أجل السيطرة فيقول: «الصراع الراهن لشيطنة الإخوان، سواء أكانوا في الكويت أم في مصر وأماكن أخرى في الجزيرة العربية، هو صراع من أجل السيطرة بين دول وشخصيات ترى أن الاجتثاث هو المدخل».

وتجاهل الغبرا أن الصراع مع الإخوان صراع وجودي وحضاري وأخلاقي عميق جداً، وهو صراع العقول والأفكار والمجتمعات ضد الرجعية والجهل والإقصاء والاستغلال، فقد استغلت الشعارات الدينية لخداع الناس لسنوات طويلة بفكرها وتبنت العنف والتطرف والإرهاب ضد خصومها، هذه الحقيقة التي أصبح يدركها الجميع وفي النهاية يأتينا أكاديمي من آخر المدينة يسعى ليقول لماذا الاجتثاث؟ فلم نسمع عاقلاً يقول لطبيب يرى مريضه يكاد يموت بسبب السرطان أو الغرغرينا إذا لم يبتر أحد أطرافه الفاسدة لماذا الاجتثاث والبتر! لكن يبدو أن البعض لدينا ما زالت لديه حسابات لا نفهمها!

وما يدعو للدهشة أن الأكاديمي المحترم يتكلم عن التعددية والاختلاف، وهو يدافع عن جماعة لا تعترف إلا بمن يتفق معها ولا تؤيد إلا من يبايعها بيعة مطلقة ومن يلتزم بالسمع والطاعة في المنشط والمكره لقيادتها بدون أي شيء آخر! ويبرر لجماعة لم تؤمن بالديمقراطية يوماً، بل رفضتها طوال تاريخها ولم تمارسها إلا عندما أدركت أنها طريقها الوحيد والمؤقت لتنفيذ خططها.

الحقيقة التي نقولها للدكتور الغبرا ولبعض الأكاديميين الذين يعيشون بعيداً عن أرض الواقع وعن حياة الناس وعن واقع المجتمعات، إن أفكاركم لا تصلح إلا لصالوناتكم المغلقة التي تؤيدون فيها بعضكم البعض، أما على أرض الواقع وفي الفضاء المفتوح الذي نعيشه اليوم والحقائق التي نراها بأعيننا ونسمعها بآذاننا فلم تعد لنظريتكم قيمة حقيقة تفيد المجتمعات، وهي ليست أكثر من كلمات مجمعة، وإن تحولت إلى نقاش وحوار فهي مجرد حوارات بيزنطية تنتهي من حيث بدأت.

غريب أن يأتي أكاديمي كنا نعتقد إنه ليبرالي وتقدمي يؤمن بقيم الحرية والديمقراطية والمساواة ليدافع في مقال طويل عريض عن جماعة راديكالية إقصائية إرهابية ويحاول بالأمثلة وبالتاريخ وبالجغرافيا أن يبرر لها ويلمِّع صورتها ويجمّلها ويضعها في مستوى الأحزاب والأفكار والأيدولوجيات التي خدمت الإنسانية، والتي يحترمها الجميع وإن اختلفوا معها!

ثم يتكلم عن المعتقلين في سجون مصر من الإخوان، والذين عددهم لا يكاد يذكر في مقابل المعتقلين في سجون أردوغان، وليت الغبرا كان منصفاً ليتكلم عن عشرات الآلاف في سجون أردوغان «الإخواني»، بينهم سياسيون وصحفيون وناشطون في مجال حقوق الإنسان، وعدد كبير منهم من النساء، وليت الغبرا أشار إلى الآلاف الذين قتلهم أردوغان من أبناء شعبه الأكراد والآلاف من السوريين الذين تاجر بهم نظام أردوغان الإخواني بثمن بخس!

دفاع الغبرا المستميت عن الإخوان المسلمين رغم محاولته أن يغلفه بغلاف راقٍ وكأنه دفاع عن الاختلاف وتأييد للتعددية السياسية، إلا أنه دفاع فشل قبل أن يبدأ، وانتهى قبل أن يصل إلى أحد، فقرار الشعوب الخليجية هو محاسبة من خانوا أوطانهم وأبناء جلدتهم ووضعوا أيديهم بيد الشيطان ليخرّبوا مجتمعات وينقلبوا على أوطان تنعم بالخير والسلام… محاسبة من خدعوهم لسنوات لصالح تنظيم سري يعمل لأهداف غير معلنة، وهذا ما لا تقبله الشعوب الحرة، وهذا ما غاب عن أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت شفيق الغبرا وهو يدافع عن الإخوان في مقاله الأخير، وفي وقت تنكشف فيه كثير من أوراق تنظيم الإخوان في الكويت… لكن بلا شك أن الغبرا سعيد الآن فقد قَبِل الإخوان هديته وفرحوا بها وصفقوا له طويلاً ليكون مفكّرهم العبقري الذي لا مثيل له في هذا الزمان.

الغبرا والكثير من الأكاديميين العرب من أمثاله ممن كانوا ينالون إعجاب واحترام الشباب العربي أصبحوا يثيرون الشفقة، لأن الشعوب تكتشف يوماً بعد يوم أنهم لا ينصفونها وأنهم بعيدون عنهم ومنفصلون عن واقع المجتمعات وعن تحدياتها وأولوياتها وأنهم يختارون أسلوب «خالف تعرف» ويريدون أن يقولوا «نحن هنا» وهم فعلياً ليسوا هنا ولا هناك، فهم يعيشون في فقاعة لا يرون فيها إلا وجوههم ولا يسمعون فيها إلا أصواتهم.