88552_ALR_14-10-2019_p32-1

هل أنصف الغبرا وطنه وشعوب المنطقة؟!

كنت لأتفق مع الدكتور شفيق الغبرا في مقاله منذ أيام في إحدى الصحف العربية تحت عنوان «الإخوان المسلمون وقضية الاجتثاث» لو كان الإخوان فعلاً حزباً سياسياً أو مجرد جمعية نفع عام كما صنّفهم الغبرا، وكما حاول تصويرهم بصورة رومانسية، متجاهلاً سلسلة طويلة من الحقائق عنهم، فما ذكره الغبرا في مقاله غير صحيح، وأستغرب من أكاديمي مخضرم يعطي للجمهور هذا الوصف السطحي، وربما الخادع عن الإخوان، فلو كان هذا الرأي من شخص عادي لمرّرناه، ولو كان قد قيل قبل ربع قرن لقبلناه، ولكن طرحه في هذا الوقت، وبعد أن انكشفت حقيقة الإخوان على جميع المستويات وفي كل مكان، بلا شك يدعو إلى الاستغراب الكبير، وخصوصاً بعد التسجيلات الأخيرة لقادة الإخوان مع معمر القذافي في خيمته العامرة!

ليت الغبرا استعرض لنا في سياق حديثه عن الإخوان الذين يدافع عنهم ماذا قدم أفراد هذا التنظيم للمجتمعات العربية وماذا قدموا للمسلمين – الذين يربطون اسم جماعتهم بهم – وماذا قدم التنظيم للمجتمعات العربية والإسلامية طوال تسعة عقود، فقد نكون وجدنا له العذر!

تحليل الغبرا يشوبه الكثير من القصور والبعد عن الموضوعية، وخصوصاً عندما يختزل حرب المجتمعات العربية والخليجية في أنها «شيطنة» ضد الإخوان وأنها صراع من أجل السيطرة فيقول: «الصراع الراهن لشيطنة الإخوان، سواء أكانوا في الكويت أم في مصر وأماكن أخرى في الجزيرة العربية، هو صراع من أجل السيطرة بين دول وشخصيات ترى أن الاجتثاث هو المدخل».

وتجاهل الغبرا أن الصراع مع الإخوان صراع وجودي وحضاري وأخلاقي عميق جداً، وهو صراع العقول والأفكار والمجتمعات ضد الرجعية والجهل والإقصاء والاستغلال، فقد استغلت الشعارات الدينية لخداع الناس لسنوات طويلة بفكرها وتبنت العنف والتطرف والإرهاب ضد خصومها، هذه الحقيقة التي أصبح يدركها الجميع وفي النهاية يأتينا أكاديمي من آخر المدينة يسعى ليقول لماذا الاجتثاث؟ فلم نسمع عاقلاً يقول لطبيب يرى مريضه يكاد يموت بسبب السرطان أو الغرغرينا إذا لم يبتر أحد أطرافه الفاسدة لماذا الاجتثاث والبتر! لكن يبدو أن البعض لدينا ما زالت لديه حسابات لا نفهمها!

وما يدعو للدهشة أن الأكاديمي المحترم يتكلم عن التعددية والاختلاف، وهو يدافع عن جماعة لا تعترف إلا بمن يتفق معها ولا تؤيد إلا من يبايعها بيعة مطلقة ومن يلتزم بالسمع والطاعة في المنشط والمكره لقيادتها بدون أي شيء آخر! ويبرر لجماعة لم تؤمن بالديمقراطية يوماً، بل رفضتها طوال تاريخها ولم تمارسها إلا عندما أدركت أنها طريقها الوحيد والمؤقت لتنفيذ خططها.

الحقيقة التي نقولها للدكتور الغبرا ولبعض الأكاديميين الذين يعيشون بعيداً عن أرض الواقع وعن حياة الناس وعن واقع المجتمعات، إن أفكاركم لا تصلح إلا لصالوناتكم المغلقة التي تؤيدون فيها بعضكم البعض، أما على أرض الواقع وفي الفضاء المفتوح الذي نعيشه اليوم والحقائق التي نراها بأعيننا ونسمعها بآذاننا فلم تعد لنظريتكم قيمة حقيقة تفيد المجتمعات، وهي ليست أكثر من كلمات مجمعة، وإن تحولت إلى نقاش وحوار فهي مجرد حوارات بيزنطية تنتهي من حيث بدأت.

غريب أن يأتي أكاديمي كنا نعتقد إنه ليبرالي وتقدمي يؤمن بقيم الحرية والديمقراطية والمساواة ليدافع في مقال طويل عريض عن جماعة راديكالية إقصائية إرهابية ويحاول بالأمثلة وبالتاريخ وبالجغرافيا أن يبرر لها ويلمِّع صورتها ويجمّلها ويضعها في مستوى الأحزاب والأفكار والأيدولوجيات التي خدمت الإنسانية، والتي يحترمها الجميع وإن اختلفوا معها!

ثم يتكلم عن المعتقلين في سجون مصر من الإخوان، والذين عددهم لا يكاد يذكر في مقابل المعتقلين في سجون أردوغان، وليت الغبرا كان منصفاً ليتكلم عن عشرات الآلاف في سجون أردوغان «الإخواني»، بينهم سياسيون وصحفيون وناشطون في مجال حقوق الإنسان، وعدد كبير منهم من النساء، وليت الغبرا أشار إلى الآلاف الذين قتلهم أردوغان من أبناء شعبه الأكراد والآلاف من السوريين الذين تاجر بهم نظام أردوغان الإخواني بثمن بخس!

دفاع الغبرا المستميت عن الإخوان المسلمين رغم محاولته أن يغلفه بغلاف راقٍ وكأنه دفاع عن الاختلاف وتأييد للتعددية السياسية، إلا أنه دفاع فشل قبل أن يبدأ، وانتهى قبل أن يصل إلى أحد، فقرار الشعوب الخليجية هو محاسبة من خانوا أوطانهم وأبناء جلدتهم ووضعوا أيديهم بيد الشيطان ليخرّبوا مجتمعات وينقلبوا على أوطان تنعم بالخير والسلام… محاسبة من خدعوهم لسنوات لصالح تنظيم سري يعمل لأهداف غير معلنة، وهذا ما لا تقبله الشعوب الحرة، وهذا ما غاب عن أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت شفيق الغبرا وهو يدافع عن الإخوان في مقاله الأخير، وفي وقت تنكشف فيه كثير من أوراق تنظيم الإخوان في الكويت… لكن بلا شك أن الغبرا سعيد الآن فقد قَبِل الإخوان هديته وفرحوا بها وصفقوا له طويلاً ليكون مفكّرهم العبقري الذي لا مثيل له في هذا الزمان.

الغبرا والكثير من الأكاديميين العرب من أمثاله ممن كانوا ينالون إعجاب واحترام الشباب العربي أصبحوا يثيرون الشفقة، لأن الشعوب تكتشف يوماً بعد يوم أنهم لا ينصفونها وأنهم بعيدون عنهم ومنفصلون عن واقع المجتمعات وعن تحدياتها وأولوياتها وأنهم يختارون أسلوب «خالف تعرف» ويريدون أن يقولوا «نحن هنا» وهم فعلياً ليسوا هنا ولا هناك، فهم يعيشون في فقاعة لا يرون فيها إلا وجوههم ولا يسمعون فيها إلا أصواتهم.

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *