88552_ALR_14-10-2019_p32-1

نهاية عصر التكنولوجيا .. بداية عصر البيولوجيا

جاء فيروس كورونا ليُخرج البشرية من عصر ويدخلها في عصر جديد، فمع انتشار هذه الجائحة التي جعلت الحكومات والدول والعلماء يقفون مندهشين ومكتوفي الأيدي أمام الفيروس غير المرئي، أصبحت للبشر حسابات جديدة وطريقة مختلفة في التفكير، فقد كان القرن العشرون قرن التكنولوجيا الذي أخذ البشر إلى مرحلة جديدة، وما تحقق في الخمسين عاماً الأخيرة من إنجازات في مختلف المجالات لم يحققه بنو البشر طوال تاريخهم الطويل، ولكن أتى فيروس كورونا المستجد على حين غفلة من جميع البشر ودون أن يميز بين العالم الأول والعالم الثالث، ليقول لهم بأن التكنولوجيا ليست كل شيء، وأن صحة الإنسان هي الأهم.

والحقيقة المقبلة على البشرية تقول إنه مع منتصف القرن الواحد والعشرين سيصل عدد سكان الأرض إلى أكثر من 9 مليارات إنسان، وهؤلاء لا يحتاجون إلى الهواتف ولا إلى التكنولوجيا كأولوية، وإنما سيحتاجون إلى الدواء والغذاء والماء، والواقع يقول إن كرتنا الأرضية في وضعها وظروفها الحالية لن تستطيع أن توفر احتياجات تلك المليارات من البشر بسهولة.

هذه الحقيقة جعلت العلماء قبل بداية هذا القرن يفكرون في كيفية التعامل مع التحديات التي تواجه البشر وهناك حوار دار بين العلماء حول التقارب الأول الذي كان بين الفيزياء والهندسة والذي أدى إلى ثورة التكنولوجيا والتوصل إلى الكثير من الابتكارات خلال القرن العشرين، والتقارب الثاني والمقبل بين علمَي الأحياء والهندسة، والذي ستنتج عنه الثورة البيولوجية وهو ما نعيش بداياته الآن، وهو الذي ستعيشه البشرية فيما تبقى من القرن الواحد والعشرين.

ومن الأمور التي تدفع إلى الانتقال إلى العصر الجديد بقوة وبسرعة، الواقع الخطير الذي يعيشه البشر في زمن كورونا ومع فيروس كوفيد-19.

لذا لا نستغرب عندما نعرف أن حكومة الإمارات بدأت في مراجعة أولوياتها الوطنية، فحكومة دولة الإمارات قرأت الواقع جيداً واستقرأت المستقبل بعين ثاقبة، وهذا ما جعل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي يصرح في اجتماع مجلس الوزراء يوم الأحد الماضي قائلاً: «أولوياتنا الوطنية بحاجة لمراجعة لعالم ما بعد كوفيد-19.. مواردنا المالية والبشرية بحاجة لإعادة توجيه.. أمننا الطبي والغذائي والاقتصادي بحاجة لترسيخ أكبر من خلال برامج جديدة ومشاريع.. والاستعداد لما بعد كوفيد-19 هو استعداد لمستقبل جديد لم يتوقعه أحد قبل عدة أشهر فقط».. هذه هي النظرة المستقبلية التي نراهن عليها بقيادة تعودت أن تذهب إلى المستقبل لا أن تنتظره، حتى في الوقت الذي يفاجئها الحاضر بجائحة عالمية مثل كورونا لم يتوقعها أحد.

وفي الإمارات، الحديث عن عصر البيولوجيا أو التكنولوجيا الحيوية لا يعتبر جديداً، وليس مرتبطاً بظهور فيروس كورونا، ففي نهاية عام 2018 استضاف مجلس صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بقصر البطين في أبوظبي محاضرة بعنوان «التكنولوجيا الحيوية عنوان العصر الرقمي المقبل» ألقاها الدكتور نيكولاس نيغروبونتي وهو رئيس مختبر الوسائط بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا تحدث فيها عن أن العصر المقبل سيكون مختلفاً، وستكون لعلم البيولوجيا فيه كلمته، وضرب العديد من الأمثلة على تغيير التكنولوجيا الحيوية لحياة الناس، وأكد خلال حديثه أنه في غضون الأعوام العشرة القادمة سنرى بشكل متزايد تفاعلاً مباشراً مع الدماغ، وهذا التفاعل سيتخذ شكلين متباينين للغاية: من خارج الرأس ومن داخله، وأشار إلى كيفية تمكين الذكاء الاصطناعي لشخص فقد ساقيه بسبب حادث سيارة أن يمشي من جديد.

الحقيقة التي بات يدركها الجميع أننا كبشر نعيش على الكرة الأرضية نواجه تهديدين رئيسيين: أحدهما على صحة كوكبنا والآخر على صحتنا كبشر.. وهذا ما أشارت إليه الأمم المتحدة سابقاً عندما ذكرت أن عدد سكان العالم سيصل إلى 9.7 مليار نسمة بحلول عام 2050، ما يعني أن المزيد من الناس يستهلكون موارد طبيعية أكثر من أي وقت في تاريخ البشرية. فالاستهلاك يتضاعف فعلياً كل 10 إلى 12 سنة. أضف إلى ذلك تحديات الاحتباس الحراري.

وعلى صعيد صحة الإنسان، يعاني حوالي 30% من الشباب تحت سن الـ20 من السمنة، ونسبة الوفيات بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية تصل إلى 31%، وتزداد حالات السرطان بمعدل ضعف سرعة السكان.

من الواضح أنه في السنوات الماضية زاد الرهان على كون البيولوجيا والتكنولوجيا معاً سيوفران إصلاحات لكوكب الأرض وكذلك لجسم الإنسان. وهذا ما خلق الاعتقاد بأن القرن الواحد العشرين سيكون العصر الذهبي لعلم الأحياء كتقنية، وهذا ما عبر عنه مؤسس مسرِّع العلوم الصحية IndieBio آرفيند جوبتا، بلغة المال والأرقام عندما قال: «الكوارث المزدوجة للصحة الكوكبية وصحة الإنسان ستخلق فرصة بقيمة 100 تريليون دولار».

لقد شهد العالم في السنوات الأخيرة بعض الإنجازات وأحرز تقدماً كبيراً في علم الأحياء، على غرار ما أحرزته الفيزياء في القرن السابق، لذا يبدو رهان المختصين على أنه في التكنولوجيا الجديدة يمكن لعلم الأحياء أن يواصل تقدمه نحو مزيد من المجد يبدو منطقياً، وخصوصاً إذا ما علمنا أن مجالات التكنولوجيا متشعبة.

ومجالات التكنولوجيا الحيوية عديدة ومتشعبة وهناك من يفضل تصنيفها بالألوان: فمثلاً التكنولوجيا الحيوية الحمراء.. هي المختصة بالمجال الطبي، فمن أمثلتها إنتاج المضادات الحيوية من الكائنات الحية واستخدام الهندسة الوراثية لمعالجة الأمراض وفي تطوير وتعديل الجينات، وكذلك إمكانية إنتاج أدوية خاصة بالمحتوى الجيني لفرد ما، والخضراء.. في المجال الزراعي، ومن أمثلتها إنتاج النباتات المعدلة وراثياً ذات الفوائد العدة كما أخبرنا من قبل باستخدام زراعة الأنسجة أو غيرها، المبيدات الحشرية غير الكيميائية، الأسمدة الحيوية، البيضاء.. وهي من أكثر المجالات انتشاراً وقد أدخلت العديد من التعديلات على صناعات قديمة (كالورق والبلاستيك) وهي المعروفة أيضاً بالتكنولوجيا في المجال الصناعي، ومن أمثلتها استخدام الكائنات الحية لإنتاج مواد كيميائية مطلوبة للاستخدام التجاري حيوياً بدلاً من إنتاجها صناعياً، وتشمل أيضاً التصنيع الدوائي وإنتاج الفيتامينات، إنتاج البلاستيك القابل للتحلل العضوي، الصفراء.. وهي فرع التكنولوجيا الحيوية الخاص بالاستفادة من الحشرات على كل المستويات وفي كل المجالات سواء الزراعية أو الصحية أو الغذائية.

وأخيراً وليس آخراً، فهناك ألوان أخرى وهذه تعتبر الأهم، وهي التكنولوجيا الحيوية الزرقاء التي تتعامل مع عالم البحار والكائنات البحرية.

وأخيراً والمثير في بحثنا هذا هو أننا اكشفنا أن أحد أهم رموز عصر التكنولوجيا في القرن العشرين تنبأ بما سيكون عليه الحال في هذا القرن فقد قال ستيف جوبز وهو يموت بسبب سرطان البنكرياس «أعتقد أن أكبر الابتكارات في القرن الحادي والعشرين ستكون عند تقاطع علمَي الأحياء والتكنولوجيا».

Add a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *